القرآن و الرضاعة
قال تعالى في سورة البقرة : وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)
وقال في سورة الأحقاف : وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)
وقال موجهاً للأسترضاع في سورة الطلاق : أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)
وجاء في حدث الرسول صلى الله عليه و سلم ، أنه قال : ( أرضعيه ولو بماء عينيك ) وذلك عندما طلب من أسماء بنت أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ أن ترضع وليدها عبد الله بن الزبير .... .
ونلمس مما تقدم تأكيداً على الإرضاع من ثدي المرأة، قبل اللجوء لأية وسيلة كالإرضاع الصناعي "حليب البقر وغيره " .. فلماذا، المقارنة الآتية تنحنا الجواب الشافي .
مقارنة بين الرضاع الطبيعي و الإرضاع الصناعي :
# تركيب الحليب : يتطور تركيب حليب الأم من يوم لآخر بما يلائم حاجة الرضيع الغذائية، وتحمل جسمه، وبما يلائم غريزته وأجهزته التي تتطور يوماً بعد يوم، وذلك عكس الحليب الصناعي الثابت التركيب : فمثلاً يفرز الثديان في الأيام الأولى اللبن Colostrm الذي يحوي أضعاف ما يحوي اللبن من البروتين والعناصر المعدنية ، لكنه فقير بالدسم والسكر، كما يحوي أضدادا لرفع مناعة الوليد، و له فعل ملين، هو الغذاء المثالي للوليد، كما يخف إدرار اللبن من ثدي الأم، أو يخف تركيزه بين فترة وأخرى بشكل غريزي وذلك لإزاحة الجهاز الهضمي عند الوليد، ثم يعود بعدها بما يلائم حاجة الطفل .
# الهضم : لبن الأم أسهل هضماً لاحتوائه على خمائر هاضمة تساعد خمائر المعدة عند الطفل على الهضم، وتستطيع المعدة إفراغ محتواها منه بعد ساعة ونصف، وتبقى حموضة المعدة طبيعية ومناسبة للقضاء على الجراثيم التي تصلها . بينما يتأخر هضم خثرات الجبن في حليب البقر، لثلاثة أو أربع ساعات، كما تعدل الأملاح الكثيرة الموجودة في حليب البقر حموضة المعدة ، وتنقصها مما يسمح للجراثيم وخاصة الكولونية بالتكاثر مما يؤدي للإسهال و الإقياء ..
# الطهارة : حليب الأم معقم، بينما يندر أن يخلو الحليب في الرضاع الصناعي من التلوث الجرثومي، وذلك يحدث إما عند عملية الحلب، أو باستخدام الآنية المختلفة أو بتلوث زجاجة الإرضاع .
# درجة حرارة لبن الأم ثابتة وملائمة لحرارة الطفل ، و لا يتوفر ذلك دائماً في الإرضاع الصناعي
# الإرضاع الطبيعي أقل كلفة ، بل لا يكلف أي شيء من الناحية الاقتصادية .
# يحوي لبن الأم أجسام ضدية نوعية، تساعد الطفل على مقاومة الأمراض، وتواجد بنسبة أقل بكثير في حليب البقر، كما أنها غير نوعية، ولهذا فمن الثابت أن الأطفال الذين يرضعون من أمهاتهم أقل عرضة للإنتان ممن يعتمدون على الإرضاع الصناعي .
# الإرضاع الطبيعي يدعم الزمرة الجرثومية الطبيعية في الأمعاء ذات الدور الفعال في امتصاص الفيتامينات وغيرها من العناصر الغذائية، بينما يسبب الإرضاع الصناعي اضطراب هذه الزمرة .
# يسبب لبن البقر مضاعفات عدم تحمل وتحسس، لا تشاهد في الإرضاع الطبيعي كالإسهال والنزف المعوي والتغوط الأسود ومظاهر التجسس الشائع، كما إن الإلعاب والمغص والإكزما البنيوية أقل تواجداً في الإرضاع الطبيعي .
# الاستعداد للأمراض المختلفة : يهيء الإرضاع الطفل للإصابة أكثر، بأمراض مختلفة، كالتهابات الطرق التنفسية، وتحدد الرئة المزمن الذي يرتبط بترسب بروتين اللبن في بلاسما الطفل، وحذف لبن البقر من غذاء الطفل يؤدي لتحسنه من المرض . وكذلك التهاب الأذن الوسطى، لأن الطفل في الإرضاع الصناعي يتناول وجبته وهو مضطجع على ظهره، فعند قيام الطفل بأول عملية بلع بعد الرضاعة ينفتح نفير أوستاش ويدخل الحليب واللعاب إلى الأذن الوسطى مؤدياً لالتهابها. وتزيد حالات التهاب اللثة والأنسجة الداعمة للسن بنسبة ثلاثة أضعاف، عن الذين يرضعون من الثدي، أما تشنج الحنجرة، فلا يشاهد عند الأطفال الذين يعتمدون على رضاعة الثدي .
ـ هذه الفروق وغيرها، تفسر لنا نسبة الوفيات عند الأطفال الذين يعتمدون الإرضاع الصناعي عن نسبة وفيات إخوانهم الذين من الثدي بمقدار أربعة أضعاف رغم كل التحسينات التي أدخلت على طريقة إعداد الحليب في الطرق الصناعية، وعلى طريقة إعطائه للرضيع .
ـ طريقة الإرضاع ومصلحة الأم :
الإرضاع من الثدي لمصلحة الأم دوماً لأنه :
# يفيد بعملية إنطمار الرحم بعد الولادة، نتيجة منعكس يثيره مص الحلمة من قبل الطفل، فيعود حجم الرحم بسرعة أكبر لحجمه الطبيعي وهذا يقلل من الدم النازف بعد الولادة .
# النساء المرضعات أقل إصابة بسرطان الثدي من النساء غير المرضعات، فمن قواعد سرطان الثدي أنه ـ يصيب العذارى أكثر من المتزوجات المرضعات، فمن قواعد سرطان الثدي أنه يصيب العذارى أكثر من المتزوجات.
# ويصيب المتزوجات غير المرضعات أكثر من المرضعات .
# ويصيب المتزوجات قليلات الولادة أكثر من الولادات .فكلما أكثرت المرأة من الإرضاع ، قل تعرضها لسرطان الثدي..
ـ الإرضاع من الثدي، هو الطريقة الغريزية المثلى لتنظيم النسل :
إذ يؤدي الإرضاع لانقطاع الدورة الطمثية بشكل غريزي، ويوفر على المرأة التي ترغب في تأجيل الحمل أو تنظم النسل، مخاطر الوسائل التي قد تلجأ إليها كالحبوب، والحقن، واللولب ...أما آلية ذلك، فهي أن مص حلمة الثدي، يحرض على إفراز هرمون البرولاكتين من الفص الأمامي للغدة النخامية، والبرولاكتين ينبه الوظيفة الإفرازية لغدة الثدي، ويؤدي لنقص إفراز المنميات والبرولاكتين ينبه الوظيفة الإفرازية لغدة الثدي، ويؤدي لنقص إفراز المنميات التناسلية Gonadotrophin المسؤلة عن التغيرات الدورية في المبيض، وهذا ما يحصل عند 60% من النساء المرضعات .
ـ الإرضاع و تقوية الرابطة الروحية :
الإرضاع الأمي يقوي الرابطة الروحية والعاطفة بين الأم ووليدها، ويجعل الأم أكثر عطفاً بطفلها، وهذه الرابطة هي الضمان الوحيد الذي يحدو بالأم للاعتناء بوليدها بنفسها فهو ليس مجرد عملية مادية، بل هو رابطة مقدسة بين كائنين، تشعر فيه الأم بسعادة عظمى لأنها أصبحت أماً، تقوم على تربية طفل صغير، ليكون غرساً في بستان الحياة .
أما بالنسبة للطفل فالإرضاع الثديي يهبه توازناً عاطفياً ونفسياً، ويجعله فرحاً مسروراً، وعندما يضع ثغره على ثدي أمه، يصبح على مقربة من دقات قلبها، وهذا النغم الرقيق واللحن، يمنحه السكن والطمأنينة، ومن ثم الخلود إلى الراحة والنوم .
هذه الرابطة القوية ينجم عنها من تأثير، تكون ضعيفة عندما يوضع الطفل على الإرضاع الصناعي، ويكون الأمر أسوأ من ذلك عندما يقوم على العناية بالطفل غير الأم كالخادمة، أو المسئولة في روضة الأطفال أو أي شخص آخر، لأن هذا الوضع يحطم ما يسمى بالاستقرار الذي هو أكثر ما يحتاجه الطفل في سنواته الأولى كي يحقق تطوراً انفعالياً سليماً و " إن العلاقة الحكمية الشخصية الوثيقة بين الطفل وشخص ما ـ ذلك الذي يؤمن له الغذاء والدفء والراحة ـ تبدو هذه العلاقة وكأنها من أولى الضرورات، أن يكون هذا الشخص هو الأم" .
وتلمس في هذه الأيام ردة إلى الثدي ن بعد أن روج كثيراً للزجاجة، وللحليب الاصطناعي، الذي ملأت أنواعه الكثيرة واجهات المحلات قبل الصيدليات، وبعد أن لجأ الكثير من الأمهات إلى الحليب الاصطناعي ظناً منهن أن هذا من مظاهر الرقي والتقدم، و أو حفاظاً على جمالهن و أناقتهن، وما ذلك في الواقع إلا جهلاً، أو خطأ، أو انجرافاً وراء زخرف القول غروراً و جاهلية.
ولهذا يجب على الأم الواعية، أن تحرص كل الحرص على أن تقدم لطفلها الغذاء الطبيعي الذي أعده الباري المصور أحين إعداد، وأن لا تتخلى عنه إلا في حال مباشرة لذلك . كما يجب أن لا يدفعها للتوجيه مباشرة للحليب الصناعي، فقد يكون ذلك النقص غريزياً ولمدة بسيطة ولمصلحة الرضيع . كما يجب عدم دعم الإرضاع الطبيعي الذي يسمى بالإرضاع المختلط، إلا عند الضرورة، فقد يؤدي لامتناع الطفل عن الثدي بسبب قلة إدارة اللبن من الثدي .