الزخرفة العربية الإسلامية
للزخرفة العربية الإسلامية مزاياها وأشكالها الخاصة التي تميزها عن سواها من زخرفة غربية أو آسيوية أو أفريقية . ولا غروَ وان هذه الزخرفة المستمدة من تراث شرقي – عربي قديم غلب عليها منذ مجيء الإسلام الطابع الديني وما زال حتى يومنا . وهذا الطابع لا يخضع لمنظومة موحدة، خصوصاً وانه تطبَع بالأشكال والألوان والمواد المستعملة التي كانت سائدة في العالم الذي دخله الإسلام . وهذا العالم كبير يمتد من الصين حتى الأطلسي .
ترتكز الزخرفة الإسلامية على اسس عميقة الجذور تنبع من الدين والتقاليد المتوارثة . وقد هدف البناءون والفنانون المسلمون والعرب في أعمالهم إلى إبراز خصوصية هذه التقاليد التي غلب عليها الإسلام منذ أن جاء . من هنا نرى العلاقة الحميمة بين الإسلام وفن العمارة والزخرفة وبناء المدن رغم الاختلافات السطحية أو المناطقية التي نشاهدها . فهي بمجملها تعكس روحية الدين والخطوط الكبرى التي رسمها لحياة المسلم إجمالا والعربي تحديداً .
وكلها تعتمد ما اسماه بعض مؤرخي الفن الإسلامي السكينة والراحة الروحية والجسدية والتأمل والبساطة . ومن هنا نرى كم اعتمد فن الزخرفة الإسلامي على الألوان والضوء ووسع المساحات .
أما عناصر الزخرفة العربية الإسلامية فيمكن اختصارها بستة عناصر هي : الخط العربي ، الهندسة ، الرسوم الطبيعية ، الحيوانات ، الضوء والماء . وكلها عناصر جالبة للراحة والسكينة والهدوء اكثر من كونها تعتمد على العظمة الفردية كتصوير الأشخاص البارزين أو العظمة المعمارية حيث ترتفع القصور الشامخة ودور العبادة الضخمة المزينة بكل أنواع الرسوم والتماثيل ، والمدافن المرتفعة المقامة تخليداً للقابعين في الأرض تحتها . وقد كتب في هذا المجال المعماري البريطاني أون جونز في القرن التاسع عشر أن المبدأ الأساس في فن العمارة هو زخرفة المبنى لا بناء الزخرفة . وهذا ما اعتمده البناءون العرب والمسلمون. فنحن ، يضيف جونز ، لا نجد إطلاقا زخرفة فاقدة الهدف أو زائدة أو غير ضرورية في الفن الزخرفي الإسلامي . إنها زخرفة طبيعية وواقعية .
ابرز عناصر الزخرفة العربية الإسلامية هو الخط العربي . فكل كلمة عربية ملفوظة أو مكتوبة منذ أن نزل القرآن أصبحت كلمة الله ، وبالتالي اعتمدها الفنانون في أعمالهم الزخرفية أو التجميلية . فما من بناء أو صرح إسلامي يغيب عنه الخط العربي . فلا بد من آيات تكتب على المدخل وفي القاعات والغرف إن على حجارة البناء أو الخشب المستعمل أو في الرسوم. وغالباً ما تضاف إلى الآيات أسماء أصحاب البناء وتاريخ الإنشاء والذين صمموا أو نفذوا العمل . وقد يُكتفى أحيانا بذكر اسم الله مكتوباً ومكرراً أو اسم النبي مكتوباً ومكرراً .
العنصر الثاني هو الفن الهندسي الذي أدخل عليه المهندسون المعماريون العرب والمسلمون نماذج لم تكن معروفة أو معتمدة قبلاً . وهذا النماذج والأنماط تُظهر حب العربي أو المسلم إلى التناسق الهندسي والتكرار واستنباط أنماط جديدة أو استحضار الماضي البعيد السابق للإسلام. وليس من شك أن الفنان العربي عرف كيف يمازج بين المساحات والأجزاء وبين الجمال الهندسي والضوء واللون ، أن في العمارة نفسها أو في الفرش الذي اعتمده .
أما العنصر الثالث ، أي الرسوم الطبيعية ، فالفنانون العرب والمسلمون اعتمدوا إلى حد كبير في أعمالهم الزخرفية على الرسوم المنقولة من الطبيعة بدقة وإتقان بارزين . فقد رسموا النباتات والأزهار على الجدران والأقمشة وأشياء أخرى عديدة . وقد برز هذا العنصر في ما سمي عالمياً بالأرابسك أو الزخرفة النباتية الهندسية التي تُظهر النباتات من أشجار وجنبات وأعشاب على طبيعتها من دون إضافات أو تبديل . فنحن نرى شجرة نامية تتشعب أتغصانها وتبرز أوراقها بألوانها الطبيعية وتتفتح أزهارها التي لا تذبل .
لم يشجع الإسلام الفنان العربي والمسلم على رسم الإنسان أو الحيوان . لذلك لا نرى إلا القليل من رسوم يبدو فيها حيوان أو إنسان . فهذان المخلوقان المتحركان هما ، في ضمير المسلم ومعتقده ، من خلق الله وبالتالي يستحب تجنب إعادة خلقهما في الرسوم والأعمال الزخرفية .
أما الضوء فهو بالنسبة للمسلم عامة وللعربي بنوع خاص رمز الوحدة الإلهية ، فضلاً عن أن الطبيعة التي يعيش العربي في كنفها تمتلىء نوراً وضوأً اكثر من أي طبيعة أخرى . من هنا كان الضوء عاملاً مهماً في الزخرفة المعمارية الإسلامية ، أن في شكل البناء وما يتخلله من فسحات كبيرة وفناءات ، وان في الداخل حيث غلبت الألوان الفاتحة أو الزاهية في طلاء الجدران وفي الفرش من مقاعد وسجاد ومتكأات .
يغلب الحر على اكثر البلدان العربية والإسلامية . من هنا ركَز المعماريون وفنانو الزخرفة كثيراً على أن تشمل الماء ، بركاً داخلية أو صوراً جدرانية للجداول والأنهار ، المباني التي صمموها قديماً وحديثاً . فكانوا بذلك يتجاوبون مع تعطش العربي للماء . فإذا هو فقدها فعلاً بسبب شحتها فلا بأس أن يمتع النظر بزخرفة تجلب إليه هذه المسرة .